للسلام.. علي إيه إن شاء الله!
لا يزال غارقًا في وحل العراق ويقتل العشرات يوميًا في أفغانستان ويحمي مجرمي الحرب في إسرائيل ويعجز عن إغلاق جوانتانامو ثم منحوه نوبل للسلام تحية لرئيس الكلام
في مفاجأة غير متوقعة وتثير جدلاً حول الجائزة والجهة المانحة لها، ذهبت جائزة نوبل للسلام هذا العام إلي - الرئيس الأمريكي - بارك أوباما الذي لم يستكمل بعد عامه الرئاسي الأول في البيت الأبيض، في وقت يقول فيه بعض المحليين إن الجهة النرويجية المانحة للجائزة تكون بذلك ممارسة أحط أنواع النفاق السياسي علي الإطلاق وتبرهن للعالم أجمع أنها جهة ليست محايدة ولا نزيهة وأن معظم قراراتها تستند إلي معطيات لا عقلانية ولا مبررة.ويعيد هذا المشهد إلي الأذهان صدمة حصول الرئيس الإسرائيلي الحالي شيمون بيريز عام 1994 علي جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وإسحاق رابين رئيس الحكومة الإسرائيلية، علي الرغم من الدماء الفلسطينية والعربية التي أراقوها.
ومن المتوقع أن تنشط حركات دولية غير حكومية للمطالبة بسحب الجائزة من أوباما ومنحه إلي شخصيات دولية أخري أكثر استحقاقًا لها.
ولاحظت شبكة سي إن إن الأمريكية أن اسم أوباما، وهو أول رئيس من أصل أفريقي للولايات المتحدة، لم يكن من بين الأسماء المطروحة لنيل الجائزة، والتي توقع كثيرون أن تفوز بها السيناتورة الكولومبية بييداد كوردوبا التي تنشط من أجل حل بالتفاوض للنزاع الجاري في بلادها منذ نحو نصف قرن.
وفضلت الجائزة أوباما الذي لم يقض في منصبه سوي تسعة أشهر، علي 205 مرشحين آخرين وهو عدد قياسي، لتمنح الجائزة البالغ قيمتها المادية 4.1 مليون دولار أي حوالي ثمانية مليون جنيه مصري.
بهذه الجائزة يكون أوباما الرئيس الأمريكي الثالث الذي يفوز بجائزة نوبل للسلام، وهو علي رأس عمله، بينما يعد سلفه جيمي كارتر أول رئيس أمريكي يفوز بها، لكنه لم يكن في البيت الأبيض عند منحها له عام 2002.
وفيما احتفت معظم الحكومات الغربية وإسرائيل بمنح الجائزة إلي أوباما فإن الشعوب العربية والإسلامية وغيرها من شعوب العالم استقبلت النبأ باندهاش واستغراب يعكس القلق من تسييس الجائزة وتحريفها عن مسارها وهدفها الأساسي لتعزيز جهود السلام الدولية.
وقالت اللجنة في حيثيات الجائزة «من النادر جدًا أن تجد شخصًا تمكن من أن يجذب انتباه العالم ويمنح شعوبه الأمل في مستقبل أفضل كما فعل أوباما».
لكن أوباما - كما يقول المحللون - لم يكن أول رئيس أمريكي يضع هذا الهدف واعترف بأنه قد لا يتحقق في حياته.
وفي قضايا ملحة أخري يواجه أوباما قرارات صعبة خاصة بمستقبل الحرب في أفغانستان ولا يزال يبحث عن إنجازات في ملف البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل وعملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط.
ولا يزال أوباما يسعي للخروج من الورطة الأمريكية في المستنقع العراقي بدون جدوي، وعلي الرغم من تعهده بسحب قواته الموجودة هناك فإنه لا تلوح في الأفق أي بارقة أمل في إمكانية استتباب الأمن والاستقرار في هذا البلد الذي أرادت واشنطن تحويله إلي واحة للديمقراطية في العالم العربي بعدما سيطرت علي ثروته النفطية وأطاحت بنظام حكم رئيسه المخلوع والراحل صدام حسين.
أغلب الظن أن أوباما حصل علي الجائزة فقط لكونه أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وفي إطار حملة دبلوماسية مزيفة لتقديمه باعتباره المخلص الجديد للعالم.
التفسير المعلن لمنح أوباما الجائزة، هو دعوته لخفض المخزون العالمي للأسلحة النووية والعمل من أجل إحلال السلام في العالم، «لجهوده الاستثنائية من أجل تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب».
لا يستحق أوباما تلك الجائزة فهو لم يقدم حتي الآن ما يؤكد أحقيته فيها أو جدارته بالحصول عليها، وربما كان يتعين علي أصحاب الجائزة أن يتمهلوا قليلا ليروا ما الذي ستتمخض عنه مساعيه لحلحلة عملية السلام في منطقة الشرق الأوسط وإيجاد مخرج للركود الطاغي الذي تعانيه علي مدي السنوات الماضية.
حصول أوباما علي الجائزة هو بمثابة إصدار صك براءة لإدارته وحكومته من استمرار امتلاك إسرائيل ترسانة هائلة من الأسلحة النووية تؤرق أمن العرب وغيرهم من شعوب المنطقة.
وجاء اختيار أوباما صادمًا للجميع، حيث توالت ردود الفعل الدولية والإقليمية الغاضبة من منحه الجائزة، حيث أعرب الزعيم البولندي الحائز علي جائزة نوبل للسلام ليخ فاوينسا عن استغرابه قائلاً إنه لم يفعل شيئًا حتي الآن وأعرب عن اعتقاده بأن لجنة نوبل تسرعت إلي إهدائه هذه الجائزة.
وقال خالد البطش وهو قيادي بارز في حركة الجهاد الإسلامي إن فوز أوباما بالجائزة يظهر أن هذه الجوائز باتت ذات صبغة سياسية ولا تحكمها مبادئ المصداقية والقيم والأخلاق.
وتساءل عن سبب منح الجائزة لأوباما الذي تمتلك بلاده أكبر ترسانة نووية في العالم والذي لا يزال جنوده يريقون دماء الأبرياء في العراق وأفغانستان.
كما قال الفائز بالجائزة العام الماضي - رئيس الوزراء الفنلندي السابق - مارتي اهتيساري: «لم نلمس حتي الآن سلامًا في الشرق الأوسط، وصار واضحًا أن هذه المرة أرادوا (مانحو الجائزة) تشجيع أوباما للتحرك في مثل هذه القضايا».
ومن طهران نقل عن أحد مساعدي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قوله إن فوز أوباما يجب أن يدفعه للبدء في العمل علي القضاء علي الظلم في العالم.
وأضاف أنه من «السخف أن تمنح جائزة السلام لرجل أمر بإرسال 21 ألف جندي إضافي إلي أفغانستان لتصعيد الحرب».
في المقابل تفاوتت ردود الفعل الإسرائيلية الأولية بين مرحب ومتخوف، في وقت رحب فيه الفلسطينيون بهذا القرار.
وأعرب رئيس الكنيست الإسرائيلي رؤوفين ريفلين عن خشيته من «احتمال فرض اتفاق سلام علي إسرائيل في أعقاب قرار منح جائزة نوبل للسلام للرئيس الأمريكي باراك أوباما»، وقال للإذاعة الإسرائيلية الرسمية «إن فرض السلام لا يضمن سلامًا حقيقيًا علي مر السنين»، علي حد تعبيره
وفي رام الله، رحب رئيس دائرة شئون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، بمنح الجائزة للرئيس الأمريكي، وقال «نأمل أن يتمكن من إحلال السلام في الشرق الأوسط وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة علي حدود 1967 وعاصمتها القدس.