من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم
على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
[الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا النِّعْمَةَ، وَجَعَلَ أُمَّتَنَا -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ- خَيْرَ أُمَّةٍ، وَبَعَثَ فِينَا رَسُولاً مِنَّا يَتْلُو عَلَيْنَا آيَاتِهِ، وَيُزَكِّينَا وَيُعَلِّمُنَا الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ. أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الْجَمَّةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تَكُونُ لِمَنِ اعْتَصَمَ بِهَا خَيْرَ عِصْمَةٍ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ لِلْعَالَمِينَ رَحْمَةً، وَفَرَضَ عَلَيْهِ بَيَانَ مَا أَنْزَلَ إِلَيْنَا، فَأَوْضَحَ لَنَا كُلَّ الأُمُورِ الْمُهِمَّةِ، وَخَصَّهُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، فَرُبَّمَا جَمَعَ أَشْتَاتَ الْحِكَمِ وَالْعُلُومِ فِي كَلِمَةٍ، أَوْ شَطْرِ كَلِمَةٍ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، صَلاةً تَكُونُ لَنَا نُورًا مِنْ كُلِّ ظُلْمَةٍ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَخَصَّهُ بِبَدَائِعِ الْحِكَمِ. كَمَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ «النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ» قَالَ الزُّهْرِيُّ: جَوَامِعُ الْكَلِمِ -فِيمَا بَلَغَنَا- أَنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ لَهُ الأُمُورَ الْكَثِيرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُكْتَبُ فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ فِي الأَمْرِ الْوَاحِدِ وَالأَمْرَيْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ]. جامع العلوم والحكم ت الأرنؤوط (1/ 53).
إنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ" صحيح مسلم (523)
فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: وفضائله على الأنبياء والرسل كثيرة نذكر منها هذه الست:
1) أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ [أي جمع المعاني الكثيرة في ألفاظ يسيرة وقيل إيجاز الكلام في إشباع من المعنى فالكلمة القليلة الحروف منها تتضمن كثيرا من المعاني وأنواعا من الكلام]. عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ، قَالَتْ: «كَانَ كَلامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلامًا فَصْلاً؛ يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ» سنن أبي داود (4839).
2) وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ [يقذف في قلوب أعدائي فيخذلهم] [(نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ، لَكِنْ فِي مَسِيرَةِ الشَّهْرِ الَّتِي وَرَدَ التَّقْيِيدُ بِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي أَكْثَرَ مِنْهَا بِالأُولَى.
وَأَمَّا دُونَهَا فَلا، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ فِي الْبُخَارِيِّ: «وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ»، وَهِيَ تُشْعِرُ بِاخْتِصَاصِهِ بِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْغَايَة شَهْرًا؛ لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ. قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ؟ فِيهِ احْتِمَالٌ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ عَنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِلَفْظِ: "وَالرُّعْبُ يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ أُمَّتِي شَهْرًا"] نيل الأوطار (1/ 327).
وعن [ابْن عَبَّاس، (أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ لما قرأ كِتَابِ النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأصْوَاتُ، وَأُخْرِجْنَا، =قال أبو سفيان= فَقُلْتُ لأصْحَابِى: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِى كَبْشَةَ، يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِى الأصْفَرِ؟!!). قال المهلب قوله: "نصرت بالرعب". هو شيء خصَّه الله وفضَّله به، لم يؤتِه أحدًا غيرَه، ورأينا ذلك عيانًا، أخبرنا أبو محمد الأصيلى قال: (افتتحنا برشلونة مع ابن أبى عامر، ثم صح عندنا بعد ذلك عمن أتى من القسطنطينية؛ أنه لما اتصل بأهلها افتتاحنا برشلونة، بلغ بهم الرعبُ إلى أن غلقوا أبواب القسطنطينية ساعة بلوغهم الخبر بها نهارًا، وصاروا على صورها وهى على أكثر من شهرين]. شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 142).
3) وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، [جمع غنيمة] وكانت الغنائم محرمة على من قبلنا، إذا انتصروا على عدوهم جمعوا ما غنموا فتجيء نار من السماء فتأكلها وتحرقها، إذا قبلها الله سبحانه، وإن لم تأكلها النار فهذا يعني عدم قبول الله سبحانه لها، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا؟ وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا، وَلاَ أَحَدٌ بَنَى بُيُوتًا وَلَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا، وَلاَ أَحَدٌ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ وِلاَدَهَا، فَغَزَا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ =أي مأمورة بالغروب، وعندا يمنعون من الاقتتال، ويتأخر عليهم الفتح والنصر= وَأَنَا مَأْمُورٌ =أي القتال والجهاد=، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ =أي توقفت الشمس عن المسير= حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ، فَجَاءَتْ يَعْنِي النَّارَ لِتَأْكُلَهَا، فَلَمْ تَطْعَمْهَا! فَقَالَ: إِنَّ فِيكُمْ غُلُولاً، =أي سارقا من الغنائم لم يؤدِّ ما عنده=، فَلْيُبَايِعْنِي مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ، =أي من مسئولهم وزعمائهم=، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَلْيُبَايِعْنِي قَبِيلَتُكَ، فَلَزِقَتْ يَدُ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الغُلُولُ، فَجَاءُوا بِرَأْسٍ مِثْلِ رَأْسِ بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ، فَوَضَعُوهَا، =على الغنائم= فَجَاءَتِ النَّارُ، فَأَكَلَتْهَا، ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الغَنَائِمَ؛ رَأَى ضَعْفَنَا، وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا" صحيح البخاري (3124).
4) وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَهُورًا [بفتح الطاء] وَمَسْجِدًا، وفي رواية: "وَجُعِلَتْ لِىَ الأرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى أَدْرَكَتْهُ الصَّلاةُ، فَلْيُصَلِّ"، فكل الأرض مسجد وكل الأرض طهور عدا أماكن النجاسات وما استثني بالنص.
5) وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، [أي أرسلت إرسالة محيطة بهم؛ لأنها إذا شملتهم كفتهم أن يخرج منها أحد منهم، ولا يعارضه .. والمصطفى صلى الله عليه وسلم عموم رسالته في أصل بعثته..]
وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً: [أَيْ: إِلَى الْمَوْجُودَاتِ بِأَسْرِهَا عَامَّةً؛ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ الْمَلَكِ، وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ...] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9/ 3676).
قال ابن الجوزي: [وَقَوله: "وَبعثت إِلَى النَّاس عَامَّة"؛ كَانَ النَّبِي إِذا بعث فِي الزَّمَان الأول إِلَى قوم بَعث غَيرَه إِلَى آخَرين، وَكَانَ يجْتَمع فِي الزَّمن الْوَاحِد جمَاعَة من الرُّسُل. فَأَما نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِنَّهُ انْفَرد بِالْبَعْثِ؛ فَصَارَ نذيرا للْكُلّ، من غير أَن يزاحمه أحد]. كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 41). {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28]
[b]