من هو اليتيم؟ هل هو الذي فقد أباه فقط؟ وماذا عن اللقيط ومجهول النسب, ألا يدخل هذان في مسمي اليتيم؟ وكيف قدم الإسلام اليتامي ومجهولي النسب إلي المجتمع؟ هل قدمهم علي أنهم ضحايا القدر وبقايا المجتمع, أم علي أنهم فئة من صميم أبنائه؟ أيها القراء: كثيرا ما نسمع عن الآباء الذين فتت أكبادهم فقد أطفالهم, وفطر نفوسهم موت أولادهم يتناقل الناس أخبارهم في المجالس والتجمعات, ويقدمون لهم التعزيات ولكن قلما نسمع منهم عن أطفال فجعوا بفقد آبائهم وذاقوا ألم اليتم في ساعات مبكرة من حياتهم, عن هؤلاء اليتامي ومن هم في مثل ظروفهم يتغافل كثير من الناس, شغلتهم أموالهم وبنوهم, في الوقت الذي أمر القرآن الكريم بإكرامهم وتخفيف معاناتهم وتعريف الناس بمصيبتهم, وبالظروف العابسة التي أحاطت بهم وأطفأت الابتسامة من علي هذه الوجوه الصغيرة نحن في هذه الكلمة عن اليتيم لا نقصد من فقد أباه فقط, ولا نقتصر علي المعني الشائع لدي عامة الناس فحسب,
ولكن نتعداه إلي كل لقيط وكل من فقد العلم بنسبه, لأن اليتيم لديهما آكد, والمصيبة عليهما أشد وهذا ما يؤكده العرف الاجتماعي واللغوي, ويدعمه النظر الفقهي الذي يري إن إلحاق اللقيط ومجهول النسب باليتيم, من باب الأولي لأن الحرمان عند كليهما ظاهر لا يخفي كما في الفتوي التي أكدت أن مجهولي النسب, هم في حكم اليتيم لفقدهم والديهم ويؤكد هذا المذهب من الفتوي, قوله تعالي في الآية الكريمة
فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين) الأحزاب ـ5 إنهم إخواننا في الدين ومن هنا ينبغي أن تبدأ علاقتنا بهم وسط مجتمع مسلم أدبه الإسلام ووصفه القرآن بأنه لا يدع اليتيم ولا يقهره ولا يأكل ماله.. ولما كان من معاني اليتم في اللغة الانفراد والهم والغفلة والضعف والحاجة.
أيها الأخ الكريم وكيف تفوز بجوار النبي صلي الله عليه وسلم؟ استمع لنبيك الذي كان يتمه كرامة لليتامي وهو يقول أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار إلي السبابة والوسطي اشارة إلي قرب المكانة والمكين وإليك من كلام النبي أيضا حول ذات الموضوع هذا الحديث
من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله, كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات) يتيم وشعر وحسنات ما هو الرابط المعنوي بينها يا تري؟ إنه النمو! فاليتيم ينمو والشعر ينمو والحسنات تنمو وتزيد وكما يخشي علي الحسنات من السيئات, وعلي نمو الشعر من الأوساخ والآفات, كذلك يجب أن يخشي علي اليتيم من الإهمال والضياع قل لي بربك: أين تجد مثل هذه الصورة الحية في غير كلام النبي الحريص علي الأيتام والغيور علي حقوقهم؟ من غيره أوتي جوامع الكلم وأسرار العبارة يخاطبنا, حتي نستولد نحن المعاني من ألفاظها حية نابضة؟ لقد كانت نظرة الإسلام إلي مجتمع اليتامي نظرة إيجابية واقعية فاعلة, لعب فيها عنصر الإيمان وحافز الثواب دورا أساسيا.
فهم في المجتمع المسلم ليسوا عالة علي المجتمع ولا عبئا علي أفراده, وإنما هم من المنظور الشرعي حسنات مزروعة تنتظر من يحصدها ليفوز بجوار النبي صلي الله عليه وسلم ورفقته يوم القيامة يقول: النبي صلي الله عليه وسلم( أنا وامرأة سفعاء الخدين ـ السفعة: أثر تغير لون البشرة من المشقة ـ كهاتين يوم القيامة وأوما يزيد ـ الراوي بالوسطي والسبابة امرأة آمت من زوجها ـ توفي زوجها فأصبحت أيما لا زوج لها ـ ذات منصب وجمال حبست نفسها علي يتاماها حتي بانواـ كبروا وتفرقوا ـ أو ماتوا) أبو داود ولفت الشرع الانتباه إلي ظاهرة اليتم أن جعلها الله تعالي محلا لعدة أعمال صالحة وسببا من أسباب المغفرة ودخول الجنة بإذن الله تعالي قال
مقبض يتيما من بين المسلمين إلي طعامه وشرابه أدخله الله الجنة إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر له) الترمذي ولن نكون مبالغين إذا قلنا: إنه مصدر( دواء) نافع في علاج مرض نفسي يشكو كثير من الناس وهو قسوة القلب ولو صح من الناس العزم علي الشفاء من هذا الدواء بهذه الوسيلة,
لما بقي علي الأرض من يتيم( عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له: إن أردت تليين قلبك فأطعم الم امسح رأس اليتيم) نتمني أن نكون قد توصلنا بهذه الكلمات إلي المسح علي هذه الرءوس الصغيرة التي تشابهت ظروفها كزهور متعانقة في مغرس واحد تنتظر الماء والغذاء كما نرجو أن تكون رسالة إلي المجتمع واضحة لأنه المسئول الأول عن يتاماه لقد خلق الله تعالي الأيتام للحياة فكيف يحل لنا وأدهم بالإذلال والإهمال؟ وإنا كان سبحانه قد جعل هذه الأغصان الخضراء للثمر, فكيف نقطعها نحن ونجعلها للحطب؟ إنه لا يصح شرعا ولا طبعا ولا وضعا أن يحرم هؤلاء مرتين مرة من حنان الأمومة وعطف الأبوة وأخري من رحمة المجتمع ورعايته نقول هذا ونحن نعلم أن مجتمعاتنا المسلمة نفوسنا رحيمة وقلوبا عطوفة تتلهف لخدمة اليتيم بأن تمسح شعرة علي رأسه أو دمعة علي خده. ولئن كان التقصير فرديا في هذا الباب, إلا أنه لن يكون عاما بحال من الأحوال. فالخير باق في الناس إلي يوم القيامة والله هو الهادي إلي صراط مستقيم.