فلنصارح .. ولا نجامل ..
بقلم الرئيس : جمال عبدالناصر
في 7 ديسمبر 1953بـ "الجمهورية"
سعي الاستعمار البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي إلي القضاء علي القومية العربية. ناسياً أو متجاهلاً المساعدات التي منحها العرب للإنجليز ضد الأتراك خلال الحرب. فعملوا علي الفصل بين العرب. وبث روح النزاع وإشاعة المطامع بينهم.. وفي نفس الوقت عملوا علي تمكين اليهود من فلسطين. وساروا في هذه الخطة ولا هدف لهم إلا إضعاف العرب. والتفريق بينهم حتي يتمكن الاستعمار من كل وطن عربي علي حدة.
وفي السنين الأخيرة بدأ الساسة العرب في معالجة مشاكل بلادهم. والعمل علي الربط بينهم. وتكوين وحدة عربية.. ولكن هل استطاعوا فعلاً أن يحققوا أي هدف من الأهداف التي نادت بها الشعوب العربية؟
الحقيقة أنه بالرغم من إنشاء الجامعة العربية. فإن النية لم تكن خالصة لوجه الله ولوجه العرب.. فقد اتخذت الأهداف التي أجمعت عليها الشعوب العربية وسيلة للتجارة والمساومة. فكان الساسة يحاولون دائماً أن يستخدموا هذه الأهداف لتحقيق المغانم الذاتية والمطامع الشخصية. وكانت النتيجة أن دب الشك في النفوس. وفقدت الدول العربية ثقتها ببعضها. وبرغم القرارات الاجماعية التي كانت تتخذها فإن معظمها كانت تشك في أن ينفذ باقي الأعضاء ما استقر عليه الأمر.. وكانت النتيجة أن تضاعف الحقد في الصدور. وتمكنت الضغائن من النفوس وزادت الفرقة بين العرب.. وكان الكسب للاستعمار وحده. الذي وجد حكومات العرب متنافرة فعلاً وحقيقة. وإن اتحدت اسما وشكلاً ومظهراً. فوجد الفرصة سانحة لتسليم فلسطين لليهود.
وقامت حرب فلسطين وتعاهد قادة العرب باللسان علي أن ينقذوا فلسطين. ولكن الحقيقة أن كلاً منهم كان يريد شراً بأخيه. وكانت تتنازعه الأطماع.. وكأنه لا يعرف أنه حين يطعن أخاه فإنما يطعن نفسه. فخاضت جيوش العرب المعركة متفككة متنافرة. فحاقت بهم الهزيمة جيشاً بعد جيش. وكانت كل دولة تصيح والكل يصيح معها ولكنها إذا طلبت العون لن تجد المعين.
فإذا أردنا اليوم أن نزيل آثار الماضي. وأن نحرر بلادنا من الاستعمار. وأن نحمي أنفسنا من غاز جديد. فإني أري أن تتصارح الدول العربية ولا تجامل. وأن تختلف ولا تنافق. حتي لا تخدع الشعوب العربية. أو تستغل قضاياها لتحقيق مطامع سياسية أو أهداف ذاتية.
جمال