مغرب الشمس: انطلق "ذو القرنين" في رحلته حول العالم متوجها نحو الغرب من الكرة الأرضية، حتى وصل إلى مغرب الشمس، قال تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا) [الكهف: 86، 88].
وقوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) دل على أنه بلغ أقصى أرض تغيب عندها الشمس، بدليل أنه وجد الشمس (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا)، فوجود القوم يدل على أنه بلغ أقصى يابسة مأهولة بالبشر من جهة الغرب، وليس بعد آخر أرض معمورة إلا البحر المحيط، مما يدل على أن تلك العين الحمئة، تطل على منطقة ساحلية. وتتميز هذه الأرض عن غيرها بمعلم هام وهو (عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي فوهة بركان وحلي، عند الحدود الغربية لقارة أمريكا الشمالية. حيث تكثر فوهات الوحل البركاني، على امتداد الشاطئ الغربي للقارة الأمريكية.
العين الحمئة: إن قوله تعالى: (وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) لا يفيد أن الشمس تغيب في داخل تلك العين، فحرف (فِي) يفيد الظرفية، بمعنى وجدها تغرب عند عين حمئة. فذكر تعالى العين الحمئة كأهم معلم جيولوجي يحدد الموقع الجغرافي حيث تغيب فيه الشمس، قوله تعالى (عَيْنٍ حَمِئَةٍ) ينقسم من جهة المعنى والدلالة إلى قسمين لا ينفصل أحدهما عن الآخر (عَيْنٍ) و(حَمِئَةٍ)، ولكي نتفهم دلالة الجملة، يجب علينا دراسة معنى كل كلمة على حدتها، ثم بعد ذلك ندرس دلالة معاني الكلمتين مجتمعتين.
قوله (عَيْنٍ) هنا هي (عين الماء) وفي لسان العرب: (العين التي يخرج منه الماء، والعين ينبوع الماء الذين ينبع من الأرض ويجري ...).
وصف الله تعالى عين الماء هذه بقوله (حَمِئَةٍ) ولها معنيان حسب ما ورد في لسان العرب:
الأول: (الطين الأسود المنتن). ويقال كذلك (وحمئت البئر حمأ، بالتحريك، فهي حمئة إذا صارت فيها الحمأة وكثرت).
الثاني: (وقرأ ابن مسعود وابن الزبير: حامية، ومن قرأ حامية بغير همز، أراد حارة، وقد تكون حارة ذات حمأة، وبئر حمئة أيضا، كذلك).
بالجمع بين المعنيين نستطيع التوسع في تفاصيل قوله تعالى (عَيْنٍ حَمِئَةٍ)، إذن فمعنى (عين تنبع بطين أسود حار)، وهذه الأوصاف بالمفهوم العلمي المعاصر تتوافق مع مفهوم "فوهة بركانية Volcanic crater"، ولكن الصهارة أو الحمم Lava الخارجة من الفوهة طينية حارة وليست نارية كطبيعة أي بركان.
بالربط بين مفهوم عين الماء والطين والحرارة، إذا فالعين الحمئة هي ما يصطلح عليه بالمفهوم العلمي المعاصر Hydrothermal المعروف باسم " الوحل البركاني Mud volcanic"، فيكون معنى (عَيْنٍ حَمِئَةٍ) هو "فوهة الوحل البركاني crater Mud volcanic" والتي هي عبارة عن فوهة بركان طين غازي، يتشكل من سوائل وغازات مضغوطة. الغازات الصادرة منه حوالي 86٪ ميثان، مع ثاني أكسيد الكربون والنتروجين أقل بكثير. المواد المتدفقة منه غالبا ما تكون طين يتكون من مواد صلبة ناعمة، وسوائل تتضمن ماء (حامضي أو شديد الملوحة) وسوائل هيدروكربونية. لهذا السبب يعتبر ثوران غاية في الخطورة إذا ما حدث أثناء هطول أمطار غزيرة، أو حتى عندما يكون البركان مغطى بالثلوج الدائمة، فيتسبب درجة حرارة البركان المرتفعة في إذابة الثلوج.
نخلص من هذا أن العين الحمئة تقع قرب شاطئ القارة الأمريكية، وتحديدا في شمال غرب القارة الأمريكية، حيث أنها منطقة مكسوة بالثلج، والذي يذوب مع الرماد البركاني مكونا الطمي أو ما يصطلح عليه الوحل البركاني. ولكن على كل الأحوال من العسير تحديد العين المذكورة في القرآن الكريم، لأن العيون الوحلية أعمارها محدودة، فتجف وتزول مع مرور الزمن نتيجة عوامل التعرية، ويظهر غيرها في موضع آخر، المهم في الأمر أنها عادة ما تظهر وتختفي في مناطق متقاربة.
حتى لا يختلط علينا الأمر، فهناك فارق بين الوحل البركاني كما تقدم، وبين الحمم البركانية: وهي ما تلفظه البراكين من كتل حارة سائلة، وتبلغ درجة حرارتها بين 1000 م و 1200م . وتختلف طبيعتها ومظهرها حسب تركيبها الكيميائي، وهي على نوعان:
حمم خفيفة فاتحة اللون: وتتميز بلزوجتها الفائقة، وبطئ تدفقها تتراكم وترتفع مكونة لبرج فوق الفوهة بلغ ارتفاعه نحو 300 م ، كما حدث في بركان بيلي (في جزر المرتنيك في البحر الكاريبي ) عام 1902.
حمم ثقيلة داكنة اللون: وهي حمم بازلتية، تتميز بسيولتها، وسرعة تدفقها. وتنساب من البراكين فوق مساحات شاسعة مكونة هضاب فسيحة، مثل هضبة الحبشة وهضبة الدكن بالهند وهضبة كولومبيا بأمريكا الشمالية.
فعلى فرض أن المقصود مجرد بركان تقليدي لقال (وجدها تغرب في عين حميم)، أي فوهة بركانية، نسبة إلى الحمم البركانية، وكلمة (حميم) هي لفظ قرآني صريح، يدل على معنى الحمم السائلة، ولكن اللفظ جاء غاية في التحديد والدقة (عَيْنٍ حَمِئَةٍ)، وبالجمع بين القراءات المختلفة والمعاني المتعددة، فهو طين حار، وهذا ينفي أنها مجرد حمم بركان، بل ينطبق عليها وصف وحل بركاني. مما يدل على وجود فارق بين معنى كلمة (حَمِئَةٍ)، ومعنى كلمة (حَمِيمٍ).
قال تعالى: (لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) [الأنعام: 70].
قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ) [يونس: 4].
قال تعالى: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) [ص: 57].
قال تعالى (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدخان: 46].
قال تعالى: (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ) [الدخان: 48].
قال تعالى: (وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ) [محمد: 15].
قال تعالى: (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) [الواقعة: 54].
تنتشر البراكين فوق نطاقات طويلة على سطح الأرض أظهرها: النطاق الذي يحيط بسواحل المحيط الهادي والذي يعرف أحيانا بحلقة النار, فهو يمتد على السواحل الشرقية من ذلك المحيط فوق مرتفعات الأنديز إلى أمريكا الوسطى والمكسيك، وفوق مرتفعات غربي أمريكا الشمالية إلى جزر الوشيان ومنها إلى سواحل شرق قارة آسيا إلى جزر اليابان والفلبين ثم إلى جزر إندونيسيا ونيوزيلندا.
من أهم البراكين الوحلية في قارة أمريكا الشمالية تتضمن:
براكين شرب الوحلية Shrub و كلاواسي Klawasi في كوبر ريفر Copper River جبال رانجيلWrangell ، في ألاسكا بالولايات المتحدة الأمريكية. المواد المشعة في الغالب CO2 والنتروجين، ترتبط البراكين بعمليات الانصهار.
بركان وحلي بغير مسمى على ارتفاع 30 متر وذو قمة بعرض 100 متر، على بعد 24 كم من شاطئ ريدوندو Redondo، بكاليفورنيا، و 800 متر تحت سطح المحيط الهادي.
بركان وحلي ذو مجال صغير (3 أمتار) في بحر سالتون Salton المنطقة الحرارية الرضية بالقرب من بلدة نيلاند Niland. الإشعاعات في الغالب CO2.
بركان سموث ريدج الوحلي Smooth Ridge على 1.000 متر من الماء بالقرب من مونتري كانيون Monterey Canyon، بكالفورنيا.
بركان كاجلوليك الوحلي Kaglulik 43 متر تحت سطح بحر بيوفورت Beaufort Sea، بالقرب من الحد الشمالي لألاسكا وكندا. يعتقد وجود مصادر نفطية في المنطقة.
بركان ماكينا الوحلي Maquinna ، واقع على 16 ـ 18 كيلومتر غرب من فانكوفر، كولومبيا البريطانية، كندا.